سورة مريم - تفسير تفسير الشعراوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا(28)}
قولهم لمريم: {ياأخت هَارُونَ} [مريم: 28] هذا كلام جارح وتقريع ومبالغة منهم في تعييرها، فنسبوها إلى هارون الذي سُمِّي على اسم النبي، فأنتِ من بيت صلاح ونشأت في طاعة الله، فكيف يصدر منك هذا الفعل؟ كما ترى أنت سيدة محجبة يصدر منها في الشارع عمل لا يتناسب ومظهرها فتلومها على هذا السلوك الذي لا يُتصوّر من مثلها.
وقوله: {مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ} [مريم: 28] الرجل السوء هو الذي إنْ صحبْتَه أصابك منه سوء، ونالك بالأذى {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} [مريم: 28] قلنا: إن البَغيَّ: هي المرأة التي تبغي الرجال وتدعوهم إليها، فالمراد: من أين لك هذه الصفة، وأنت من أسرة خَيِّرة صالحة؟
وفي هذا دليل على أن نَضْج الأُسَرِ يؤثر في الأبناء، فحين نُكوِّن الأسرة المؤمنة والبيت الملتزم بشرع الله، وحين نحتضن الأبناء ونحوطهم بالعناية والرعاية، فسوف نستقبل جيلاً مؤمناً واعياً نافعاً لنفسه ولمجتمعه.
إذن: فقولهم: {مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} [مريم: 28] اتهام صريح لمريم، وتأكيد على أنها وقعتْ في محظور وكأنهم مصرون على رَمْيها بالفاحشة.
ثم يقول الحق سبحانه: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ}


{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا(29)}
أي: حين قال القوم ما قالوا أشارتْ إلى الوليد وهي واثقة أنه سيتكلم، مطمئنة إلى أنها لا تحمل دليل الجريمة، بل دليل البراءة.
فلما أشارتْ إليه تقول لقومها: اسألوه، تعجَّبُوا: {قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المهد صَبِيّاً} [مريم: 29] ونلاحظ في قولهم أنهم لم يستبعدوا أنْ يتكلّمَ الوليد، فلم يقولوا: كيف يتكلم مَنْ كان في المهد صبياً؟ بل قالوا: {كَيْفَ نُكَلِّمُ} [مريم: 29] أي: نحن، فاستبعدوا أنْ يكلموه، فكأنهم يطعنون في أنفسهم وفي قدرتهم على فَهْم الوليد إنْ كلَّمهم.
والمهد: هو المكان الممهد المعَدّ لنوم الطفل، لأن الوليد لا يقدر أن يبعد الأذى عن نفسه، فالكبير مثلاً يستطيع أنْ يُمهد لنفسه مكان نومه، وأن يُخرِج منه ما يُؤرِّق نومه وراحته، وعنده وَعْي، فإذا آلمه شيء في نومه يستطيع أنْ يتحلَّل من الحالة التي هو عليها، وينظر ماذا يؤلمه.
ثم يقول الحق سبحانه: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله}


{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا(30)}
وكأنه قال للقوم: لا تتكلموا أنتم، أنا الذي سأتكلم. ثم بادرهم بالكلام: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله} [مريم: 30] وهكذا استهلّ عيسى عليه السلام كلامه بإظهار عبوديته لله تعالى، وفي هذه دليل على أنه قد يُقال فيه أنه ليس عبداً، وأنه إله أو شريك للإله.
لذلك كانت أو كلمة نطق بها {قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله} [مريم: 30] فالمعجزة التي جاءتْ بي لا تمنع كَوْني عبداً لله؛ لذلك لو سألتَ الذين يعتقدون في عيسى عليه السلام أنه إله أو شريك للإله: إنكم تقولون أنه تكلّم في المهد، فماذا قال؟ فلا يعترفون بقوله أبداً؛ لأن قوله ونُطْقه: {إِنِّي عَبْدُ الله} [مريم: 30] ينفي معتقدهم من أساسه.
ليس هذا وفقط، بل: {آتَانِيَ الكتاب} [مريم: 30] لكن كيف آتاه الكتاب وهو ما يزال وليداً في مَهْده؟ قالوا: على اعتبار أنه أمرٌ مفروغ منه، وحادث لا شَكَّ فيه، كأنه يقول: أنا أَهْل لأنْ أتحملَ أمانةَ السماء إلى أهل الأرض. مع أن الكتاب لم يأتِ بعد، إلا أنه مُلقَّن لقَّنه ربه الكتاب بالفعل، وإنْ لم يأت الوقت الذي يُبلِّغ فيه هذا الكتاب.
{وَجَعَلَنِي نَبِيّاً} [مريم: 30] فسلوكي سلوك قويم، ولا يمكن أن يكون فيَّ مطعَنٌ بعد ذلك، وإنْ كان هناك مطعن فهو بعيد عني، ولا ذنبَ لي فيه.
ثم يقول: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ}

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13